فصل: مسألة يخرص عليه نخله فيجد في تمره أكثر مما خرص عليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يخرص عليه نخله فيجد في تمره أكثر مما خرص عليه:

وسئل مالك: عن الذي يخرص عليه نخله فيجد في تمره أكثر مما خرص عليه، قال: أرى أن يؤدي فضل ذلك؛ قلت: أرأيت إن وجد أقل مما خرص عليه؟ قال: إن ترك فلا يعطهم، ولو أطاعوني، لأمرتهم ألا يأخذوا منه شيئا.
قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن يؤدي فضل ذلك- يريد واجبا عليه، وهو أصح ما في المدونة، لأنه قال فيها: أحب إلي أن يؤدي؛ لأن نهاية خرص الخارص، أن يجعل في القوة كحكم الحاكم، وقد أجمعوا أن الحاكم إذا حكم بما لم يختلف فيه أنه خطأ، تنقض قضيته؛ وهذا الاختلاف إنما هو إذا خرصه عالم في زمن العدل وأما إذا خرصه جاهل، أو عالم في زمن الجور، فلا يلتفت إلى ذلك، ويعمل صاحب المال على ما وجد، فقول أشهب: إن كان في زمن العدل عمل على ما خرص- زاد أو نقص، وإن كان في زمن الجور، عمل على ما وجد- زاد أيضا أو نقص-؛ مفسر لما في المدونة، وكذلك ما روي عن مالك من أنه إن خرصه عالم، عمل على ما خرص؛ وإن خرصه جاهل، عمل على ما وجد مفسر أيضا لما في المدونة، وقد كان بعض الناس يحمل الروايات على ظاهرها فيجعلها أربعة أقوال، وهو تأويل خطأ- والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة أيكلف الناس أن يحملوا زكاة ثمارهم إلى من يلي أخذها:

وسئل: أيكلف الناس أن يحملوا زكاة ثمارهم إلى من يلي أخذها؟ قال: ولكن يأخذونها يأتونه في حائطه، ولا يكلفون حمل ذلك إليهم؛ كذلك أهل الزرع يؤتون في مواضعهم، ولا يكلفون حمل ذلك إليهم، وكذلك أصحاب المواشي لا يكلفون المشقة، ولا جلبها إليهم، ولكن يؤتون في مجامعهم.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي سماع ابن القاسم أيضا من كتاب زكاة الماشية، فلا معنى لإعادة ذلك.

.مسألة تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده:

قال: وسألته عمن تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده، قال: إذا حال عليها الحول عنده، أخرج زكاتها، وإن لم يبعها؛ ليس المواشي مثل العروض وإن باعها قبل أن يحول عليها الحول- وقد حال على ثمنها الحول من يوم زكاه، زكى ثمنها يوم يبيع.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مثل ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف فيها، وذلك أن الغنم في أعيانها الزكاة، فإذا حال عليها الحول عنده- وهي ما تجب فيه الزكاة، أخذت منها زكاة السائمة، كان اشتراها للتجارة أو للقنية، فإن باعها قبل أن يحول عليها الحول، رجع في زكاتها إلى زكاة العين، فزكى الثمن إن كان قد حال عليه الحول، وهو ما تجب فيه الزكاة، إن كان اشتراها للتجارة.
واختلف قول مالك إن كان اشتراها للقنية، فمرة قال: إنه يستقل بالثمن حولا من يوم قبضه، ومرة قال: إنه يزكيه على حول الغنم من يوم ابتاعها للقنية، والقولان في المدونة.

.مسألة الذي يقسم الصدقة يصدق المسكين فيما يدعي من المسكنة والحاجة:

وقال مالك: زعم لي يزيد بن رومان، أن عمر بن الخطاب خرج يوما إلى خيبر، وأنه يوما لقائل تحت شجرة يستظل بها، إذ جاءته امرأة من العرب- وهو نائم فدنت منه فمست قدمه فنبه، فقال: ما لك؟
ما حاجتك يا أمة الله؟ فقالت: توسمت فيك الخير، وأن أمير المؤمنين بعث إلينا عام الأول- محمد بن مسلمة ساعيا، وأمره أن يأخذ من أغنيائنا ويرد على فقرائنا؛ فجاءنا فلم يعطنا شيئا، وأنا امرأة مؤتمة؛ وقد بلغني أن عمر باعثه إلينا العام، فأحب أن تمشي معي إليه توصيه وتكلمه لي، عسى إن قدم علينا أن يعطيني، فقال عمر: يا يرقا اذهب فادع إلي محمد بن مسلمة، فقالت: إني لم أرد هذا؛ إنما أردت أن تذهب معي إليه، فقال: إن لم يأتنا جئناه؛ فأتاه يرقا، فقال له: يدعوك أمير المؤمنين، فاستنكر ذلك وقال: ما شأنه؟ فقال: ما أدري، إلا أني رأيت امرأة، قال محمد: هي إحداهن؛ فلما جاءه، قال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين- ورحمة الله، فلما سمعت ذلك المرأة، استحيت وجمعت عليها ثيابها؛ فقال له عمر: هل تدري كيف كنا وأنتم قبل الإسلام؟ فقال: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين، فقال: إنا كنا أكلة رأس والعرب أعداؤنا من كل ناحية، فقال: يا أمير المؤمنين لا تعجل علي، قال: بعثتك مصدقا على هؤلاء، وأمرتك أن تأخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فلم تعط هذه المرأة شيئا، فقال: يا أمير المؤمنين، أما أن أكون تعمدت تركها، فما كان ذلك؛ ولكن عسى أن أكون أخطأتها، أو لم تأتنا، قال: إن بعثتك العام إليهم، فأعطها للعام الأول، وللعام الثاني، ثم قال عمر: الحقي بخيبر، آمر لك.
قال محمد بن رشد: في هذا الحديث أن الذي يقسم الصدقة يصدق المسكين فيما يدعي من المسكنة والحاجة: إذا رأى عليه هيئة ذلك، ولا يكلف البينة؛ لأن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صدق المرأة فيما ادعت من الحاجة، وأمر محمد بن مسلمة أن يعطيها لقولها، دون أن يكلفها بينة، وكذلك قال مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع، والوكالات.

.مسألة حمل من أهل الذمة الطعام من تيماء ووادي القرى إلى المدينة أعليهم عشور:

وسئل: عمن حمل من أهل الذمة الطعام من تيماء، ووادي القرى إلى المدينة، أعليهم عشور؟ فقال: أما أهل تيماء، فأرى ذلك عليهم، وأما أهل وادي القرى، فلا؛ لأني أخاف أن يكون من المدينة وهي قريبة.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن أهل الذمة إنما يلزمهم العشر فيما اتجروا به إذا خرجوا من أفق إلى أفق: من الحجاز إلى اليمن، أو من الشام إلى العراق، وما أشبه ذلك، فرأيتها خارجة من الحجاز، فأوجب على من قدم منها بطعام إلى المدينة العشر- يريد فيما عدا الحنطة والزيت؛ لأنه قد قال في أول الرسم: إنه لا يؤخذ منهم بمكة والمدينة من الطعام إلا نصف العشر، وقد مضى ما في ذلك من الاختلاف هنالك، وشك في وادي القرى لقربها، وخشي أن يكون من الحجاز، فلم ير أن يؤخذ منهم العشر بالمدينة؛ والأندلس كلها أفق واحد، فلا يؤخذ من الذمي، إذا خرج تاجرا من أعلاها إلى أسفلها شيء، وبالله التوفيق.

.مسألة رد الصدقة المأخوذة من الأغنياء على الفقراء:

قال: وسمعت أن «رجلا جاء فقال: هذا ابن عبد المطلب المرتفق؟
فقالوا: نعم، فسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أشياء، فكان فيما سأله عنه أن قال: أنشدتك الله، آلله أمرك أن تأخذ من أغنيائنا صدقة فتردها على فقرائنا؟ فقال: نعم»
.
قال محمد بن رشد: يريد بقوله: المرتفق، أنه كان متكئا على مرفقه بين أصحابه، فأشار إليه بقوله هذا، وفي الحديث إيجاب رد الصدقة المأخوذة من الأغنياء على الفقراء، فهو أصل لما أمر به عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، محمد بن مسلمة في المرأة التي شكت إليه أنه لم يعطها شيئا، ولذلك ساقه مالك رَحِمَهُ اللَّهُ، فصوابه أن يكون متصلا به.

.مسألة الجلجلان والأرز أمن القطنية هما:

ومن كتاب الزكاة:
قال: وسئل عن الجلجلان والأرز، أمن القطنية هما؟ فقال: ليس من القطنية، القطنية: الجلبان، واللوبيا، والحمص، والكرسنة، وما أشبه ذلك، يطحنه أهل الشام ويأكلونه، فهذه القطنية، والجلجلان على حدة، والأرز على حدة.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن الجلجلان، والأرز، ليسا من القطنية، وأنهما صنفان لا يضافان إلى غيرهما، ولا يضاف بعضهما إلى بعض، وكذلك الذرة، والدخن؛ وقد روي عن مالك أن الأرز، والجلجلان، من القطنية، روى ذلك عنه زياد، وأما الكرسنة، فذهب ابن حبيب إلى أنها صنف على حدة، وقال ابن وهب: لا زكاة فيها، واختار ذلك يحيى بن يحيى- وهو الأظهر؛ لأنها علف وليست بطعام؛ ولم يختلف في القطنية أنها صنف واحد في الزكاة، وإن كان قد اختلف فيما هو قطنية مما ليس قطنية، فإذا اجتمع من جميعها ما تجب فيه الزكاة، أخذ من كل صنف بحسابه، واختلف قول مالك فيها في البيوع على ثلاثة أقوال، فمرة جعلها صنفا واحدا، ومرة جعلها أصنافا متفرقة، ومرة جعل ما تقاربت منفعته منها صنفا واحدا، وما تباعدت أصنافا مفترقة.

.مسألة الوسق كم هو:

قال: وسألته عن الوسق كم هو؟ فقال: ستون صاعا بصاع النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فخمسة أوسق ثلاثمائة صاع بصاع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإذا كان التمر، أو الحنطة، ثلاثمائة صاع بصاع النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وجبت فيه الزكاة، فما زاد على ذلك، أخذت منه الزكاة بحساب ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أن الوسق ستون صاعا، وأن الخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع، وكذلك لا يختلف أيضا أن الصاع أربعة أمداد بمد النبي،- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ واختلف في قدر المد بالوزن، فقيل: زنته رطل وثلث، وهو المشهور في المذهب؛ قيل بالماء، وقيل: بالوسط من البر، وقيل: رطل ونصف، وقيل: رطلان، وهو مذهب أهل العراق؛ واختلف في قدره بالكيل من المد الهشامي، فقيل: إنه ثلاثة أخماس مد هشام، وهو الذي في المدونة من أن مد هشام مدان إلا ثلث بمد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل: إنه نصف مد هشام، وهو تأويل البغداديين على مالك أنه رأى الإطعام في الظهار مدين بمد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حملا على فدية الأذى المقيدة في السنة؛ لأنهما جميعا مطلقتان في القرآن، قالوا: ولذلك قال فيه: يطعم بمد هشام؛ لأنه مدان بمد النبي، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ واختلف أيضا في قدر مدنا الجاري عندنا بقرطبة من مد النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فقيل: إن قدره قدره سواء، وأن كيلنا أربعة أمداد بمد النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فهو صاع؛ فالوسق خمسة أقفزة، والنصاب خمسة وعشرون قفيزا، وقيل: إن في كيلنا ثلاثة أمداد وثلث بمد النبي،- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فيأتي النصاب على هذا ثلاثون قفيزا، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وقيل: إن في كيلنا ثلاثة أمداد ونصف بمد النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، فيأتي النصاب على هذا ثمانية وعشرين قفيزا وأربعة أسباع قفيز، وقيل: إن في كيلنا أربعة أمداد إلا ثلثا بمد النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، فيأتي النصاب على هذا سبعة وعشرين قفيزا وثلاثة أجزاء من أحد عشر في القفيز، وما قدمته أولا من أن النصاب خمسة وعشرون قفيزا بالكيل القرطبي، هو أولى الأقاويل وأحوط في الزكاة، وبالله التوفيق.

.مسألة الأوقية كم هي:

قلت: أفرأيت، الأوقية كم هي؟ فقال لي: الأوقية من الفضة أربعون درهما، قلت له: أفرأيت الأوقية من الذهب، أمعروفة لها شيء معلوم؟ قال لي: لا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الأوقية من الفضة أربعون درهما، يريد من الوزن القديم المعروف بالكيل، وهو يزيد على وزن زماننا بخمسيه، فالدرهم الكيل بوزننا درهم وخمسا درهم؛ فيدخل في مائة درهم كيل من وزن زماننا مائة درهم وأربعون درهما، ولذلك سميت دراهمنا دخل أربعين، فالنصاب بوزننا من الدراهم مائتا درهم وثمانون درهما، خمسة وثلاثون دينارا دراهم؛ فمن ملك من الفضة أو الدراهم أقل من ذلك، لم تجب عليه زكاة، هذا الذي عليه العلماء، وذهب ابن حبيب إلى أنه يزكي أهل كل بلد على وزنهم وهو بعيد خارج عن أقوال العلماء؛ وأما سؤاله عن الأوقية من الذهب هل هي معروفة لها شيء معلوم، أم لا؟ فالمعنى في ذلك هل يسمى قدر ما من الذهب أوقية، كما يسمى قدر أربعين درهما كيلا من الفضة أوقية أم لا؟ فأخبر أن الأوقية إنما هي تسمية لقدر ما من الفضة، لا لقدر ما من الذهب؛ وأما قدر ما يجب من الذهب في الزكاة لأوقية من الفضة فمعروف، وذلك أربعة مثاقيل؛ لأن الدينار في الزكاة بعشرة دراهم سنة ماضية، ومثقال الذهب اثنان وسبعون حبة، أربعة وعشرون قيراطا، كل قيراط من ثلاث حبات؛ روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الدينار أربعة وعشرون قيراطا، والقيراط ثلاث حبات الشعير، فلم تختلف الأوزان في ذلك، كما اختلفت في الدراهم؟ وقد كانت الدراهم مختلفة الوزن، درهم من ثمانية دوانق، ودرهم من أربعة دوانق إلى زمن عبد الملك بن مروان، فاتفق رأي الفقهاء على أن جعلوا الدرهم من ستة دوانق، فكانت العشرة دراهم منها تزن سبعة مثاقيل، وسموا ذلك الوزن كيلا، فكانت الأوقية منها أربعين درهما، واستقام النصاب في الفضة على أنه مائتا درهم، فلم تزل الدراهم ينقص وزنها بعد ذلك إلى أن جعل الدرهم وزن نصف مثقال، فكانت العشرة دراهم كيلا أربعة عشر درهما؛ والأوقية ستة وخمسون درهما، والخمس الأواقي المائتا درهم مائتا درهم وثمانون درهما؛ فهذا وجه القول في الأوزان، وقد وقع في تفسير ابن مزين لعيسى بن دينار أن الذهب والفضة في الزكاة كيل في كل ذلك، وهو غلط؛ لأن ذلك يوجب ألا تجب الزكاة في أقل من ثمانية وعشرين مثقالا، وذلك خلاف الإجماع.

.مسألة زكاة ما يأخذ الأجراء من الزيتون:

وسئل فقيل له: فالرجل يستأجر الأجراء على زيتونه يلتقطونه على أن لهم الثلث وله الثلثان، على من ترى زكاة الثلث الذي يأخذه الأجراء في التقاطهم إياه، فقال: أرى زكاة ذلك على رب الزيتون الذي استأجرهم، يؤخذ ذلك منه زيتا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن زكاة ما يأخذ الأجراء من الزيتون على رب الزيتون صحيح؛ لأن التقاط الزيتون كحصاد الزرع، وجداد التمر، وذلك على رب المال، فلا اختلاف في ذلك عند من يوجب الزكاة في الزيتون، وأما قوله: يؤخذ ذلك منه زيتا، فهو على قوله إن عصر الزيتون على ربه، وخالفه في ذلك كثير من أصحابه، منهم: ابن كنانة، ومحمد بن مسلمة، ومحمد بن عبد الحكم، فقالوا: تؤخذ الزكاة منه حبا.
وقال محمد بن عبد الحكم: والله ما اجتمع الناس على حبه، فكيف على زيته؟ وهو قول الشافعي ببغداد: إن الزكاة تؤخذ من حبه- وبالله التوفيق.

.مسألة الكرم إذا كان يتزبب فأراد أن يجعل منها ربا:

وسئل: عن القوم تكون لهم الكرمات، ولو خرصت وجب في مثلها الزكاة، فلا يزبب منها إلا اليسير، ويعمل بقيتها ربا، فقال: أرى أن تخرص، فقيل له: إنه لا يعمل منها زبيب إلا شيء يسير ويجعل سائرها ربا، فقال: أرى أن يزبب قدر زكاتها، ثم يجعلون بقيتها ما بدا لهم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الكرم إذا كان يتزبب، فأراد أن يجعل منها ربا، فعليه أن يزبب منه قدر زكاته، أو يأتي بذلك زبيبا من غيره؛ لأن الزبيب هو الذي تجب عليه فيه، ولو كان لا يتزبب فعمل منه ربا، لم يلزمه أن يخرج من الرب زكاته، إلا أن يشاء ويعطي عشر قيمته عنبا، ولو أعطى العنب أجزأه، وينبغي أن يفعل من ذلك الذي هو خير للمساكين.

.مسألة الكرم يخرص فيكون فيه ما يجب فيه الزكاة ثم يفسد:

قيل له: أرأيت الكرم يخرص فيكون فيه ما يجب فيه الزكاة، ثم يفسد؛ فقال: إذا فسد، فلا زكاة فيه؛ قيل له: إنه إذا فسد بيع، فقال: أرى أن يؤدي زكاته من ثمنه الذي باعه به.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا فسد فسادا لا منفعة فيه ولا ثمن له، فلا زكاة فيه، وإن فسد فسادا لطفت به ثمرته ولم تذهب فباعه، فعليه أن يؤدي زكاته من ثمنه الذي باعه به، ومعنى ذلك عندي إذا كان الفساد الذي حدث به يمنع من تيبيسه، وإنما يباع ممن يأكله عنبا؛ وأما لو كان مما ييبس مع فساده ويباع على ذلك، لوجب أن يؤدي خرص ما يخرج منه زبيبا على حاله من الفساد، ولو ذهب الفساد ببعض الثمرة، فلم يبق منه ما تجب فيه الزكاة، فلا زكاة عليه.

.مسألة يغيب عن أهله أيؤدي زكاة الفطر بموضعه الذي هو به:

وسئل: عن الرجل يغيب عن أهله، أيؤدي زكاة الفطر بموضعه الذي هو به؟ فقال: أما عن نفسه، فأرى أن يؤدي عنها زكاة الفطر- ههنا؛ لأنه لا يدري أيؤدى عنه أم لا؟ قيل له: أفيؤدي عن عياله؟ قال: تشتد عليه النفقة، فأما أهله فأرى له أن يؤخرهم، فلعلهم أن يكونوا قد أدوا عن أنفسهم؛ فأما هو فأرى أن يؤدي عن نفسه؛ لأنه لا يدري لعل أهله لا يؤدون عنه.
قال محمد بن رشد: معنى هذا إذا كان قد ترك عند أهله مالا يؤدون منه الزكاة، ولم يأمرهم بذلك، فهو إذا لم يدر ما يفعلون، يؤدي عن نفسه، ولا يؤدي عنهم؛ لأن الأقرب أن يؤدوا عن أنفسهم ولا يؤدوا عنه، ولو أمرهم أن يؤدوا عنه الزكاة في مغيبه، لم يكن عليه أن يؤدي عن نفسه في مغيبه؛ ولو لم يترك عندهم ما يؤدون منه الزكاة، لزمه أن يؤدي بموضعه عنه وعنهم؛ لأن الزكاة عليه فهذا الوجه في هذه المسألة.

.مسألة مقدار زكاة الفطر:

وسئل مالك فقيل له: إن بعض الناس يقول في زكاة الفطر مدان، قال: القول ما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت له الأحاديث الذي تذكر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مدين من الحنطة في زكاة الفطر، فأنكرها، وقال عقيل- وتبسم، وقال: إذا كان الشيء من أمر دينك، فعليك أبدا في أمره بالثقة، وأنه لن ينجيك أن تقول: سمعت، وقد كان يقال: كفى بالمرء كذبا- أن يحدث بكل ما سمع.
قال محمد بن رشد: معنى قول مالك: القول ما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أي لا حجة إلا في قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن عنده من قول رسول الله: «الأمر بصاع من بر في زكاة الفطر».
ومن الدليل على ذلك، أنه استدل على أنه لا يجزئ من القمح إلا ما يجزئ من غيره- أن ما ذكر في الحديث بعضه أعلى من بعض، والكيل متفق، قال: فكذلك الحنطة- وإن كانت أفضل، هذا معنى قوله في كتاب ابن المواز: فلما ذكرت له الأحاديث أنكرها، والحديث الذي أنكره وتبسم تضعيفا لروايته، هو ما رواه عقيل بن خالد، وغيره، عن هشام بن عروة عن أبيه «عن أسماء؛ قالت: كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مدين من حنطة، أو صاعا من تمر».
وقد روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من رواية ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه، قال: قال لي النبي، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير، أو نصف صاع من بر، أو قال: قمح، عن كل إنسان: صغير، أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، غني أو فقير».
فهذه الآثار وما أشبهها، احتج من ذهب إلى أنه يجزئ مدان من قمح في زكاة الفطر، واعتلوا في حديث أبي سعيد الخدري «كنا نخرج زكاة الفطر- صاعا من طعام، أو صاعا من شعير»- الحديث- بأن بعض الرواة لا يذكر فيه الطعام، وبعضهم يسقط، أو فيقول صاعا من طعام، صاعا من شعير- تفسيرا للطعام؛ قالوا: وإن صح فيه ذكر الطعام، فيحتمل أن يكون أدوا صاعا من قمح- والمفروض عليهم منه مدان.
واستدلوا لصحة تأويلهم بما روي عن أبي سعيد الخدري أنه يجزئ مدان في زكاة الفطر.
وقد روي عن «عبد الله بن عمر أنه قال: أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصدقة الفطر عن كل صغير، وكبير، حر، وعبد، صاعا من شعير، أو صاعا من تمر» قال: فعدله الناس بمدين من الحنطة؛ وفي بعض الآثار من حديث أبي سعيد الخدري: فلما كثر الطعام في زمن معاوية جعلوه مدين من حنطة، ولم يلتفت مالك إلى شيء من هذا ولا رآه.
وقد روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال لما قال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صاعا من تمر أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط.
فقال له رجل: أو مدين من قمح، فقال أبو سعيد لا، تلك قيمة معاوية، لا أقبلها، ولا آخذ بها، وبالله التوفيق.

.مسألة الترمس هل من أصناف الزكاة:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب بع ولا نقصان عليك قال عيسى: قال ابن القاسم: الترمس من القطنية تزكى معها.
قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، أن الترمس من القطنية يضاف إليها في الزكاة.

.مسألة يحمل طعام العشور من البلد الذي أخذ فيه وإن كان فيه مساكين إلى بلد آخر:

ومن كتاب العشور:
وسئل مالك: عن الإمام يستشير فيذكر له أن ناحية من عمله كثيرة العشور، قليلة المساكين، وناحية أخرى قليلة العشور، كثيرة المساكين، فهل له أن يتكارى ببعض ذلك العشر حتى يحمله إلى الناحية الكثيرة المساكين، القليلة العشر، فكره ذلك؛ قال ابن القاسم: ولا أرى أن يتكارى عليه من الفيء، ولكن يبيعه ويشتري بثمنه طعاما بالموضع الذي يريد قسمته به؛ وذلك إلى اجتهاده بعد المشورة.
وقال ابن القاسم أيضا في غير هذا الكتاب، ورواه عن مالك أرى أن يتكارى عليه من الفيء أو يبيعه.
قال محمد بن رشد: أجاز أن يحمل طعام العشور من البلد الذي أخذ فيه- وإن كان فيه مساكين- إلى بلد آخر- إذا كان المساكين فيه أكثر، خلاف ظاهر قول سحنون في نوازله بعد هذا، وكره أن يتكارى عليه في حمله منه، وقال ابن القاسم: أنه يبيعه ويشتري بثمنه طعاما بالموضع الذي يريد قسمته به، ولا يتكارى عليه من الفيء، إلا أن يؤدي إلى ذلك اجتهاده بعد المشورة، وهو معنى ما رواه عن مالك أنه يتكارى عليه من الفيء أو يبيعه؛ لأن التخيير في ذلك إنما هو بالاجتهاد، والاجتهاد في ذلك هو أن ينظر إلى ما ينتقصه من الطعام في بيعه هنا، واشترائه هناك؛ وإلى ما يتكارى به عليه، فإن كان يتكارى عليه بأكثر باعه، وإن كان يتكارى عليه بأقل، اكترى عليه، وإذا جاز أن يبيعه هنا ويشتري به هناك أقل منه، فما الذي يمنع إذا لم يكن ثم من الفيء ما يتكارى به عليه من أن يكتري عليه منه- إذا رأى ذلك أرشد من بيعه، وقد أجاز ذلك ابن حبيب، ورواه مطرف، وابن وهب عن مالك؛ والوجه في جوازه بين، وذلك أن الله تعالى جعل للعاملين على الزكوات سهما منها، فإذا جاز أن يأخذ العامل على الزكاة من الزكاة بعمالته عليها، جاز أن يأخذ منها من يوصلها إلى المساكين الذين تفرق عليهم؛ لأن ذلك من وجه العمل عليها، ولأن الله تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]- الآية، فإذا كان الواجب على الإمام أن يأخذ منهم الصدقة في مواضعهم، ولم يجب على أرباب الأموال حملها إلى موضع المساكين، جاز للإمام أن يكتري على حملها منها- وإن كان عنده من الفيء ما يكتري عليه به، وأما إن لم يكن عنده فيء يكتري منه عليها، فلا اختلاف في جواز الاكتراء على حملها منها- إن كان ذلك أرشد من بيعها، وشراء غيرها في الموضع الذي تفرق فيه، فالاختلاف إنما يعود إلى كراهية الكراء عليها منها مع وجود الفيء، فكره ذلك مالك في قوله الأول، ورأى الكراء عليها من الفيء أحسن؛ وأجاز ذلك ابن القاسم ولم يكرهه؛ لأن قوله ولا أرى أن يتكارى عليه من الفيء، معناه لا أرى ذلك واجبا عليه، لا أن ذلك لا يجوز له أن يفعله؛ هذا ما لا يجوز أن يقال؛ لأن الفيء يجوز لمن تحل له الصدقة؛ وسيأتي هذا المعنى في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب النذور، وقد ذكر ابن عبدوس عن مالك من رواية ابن القاسم، وابن وهب، أنه لا يعطى من الفطرة من يحرسها، وهو نحو قول مالك هنا في كراهية الكراء على طعام العشور منه، فتدبر ذلك وقف عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يكون شريكا لسيده في الزرع فلا يدفعان إلا خمسة أوسق هل يكون فيه زكاة:

ومن كتاب الجواب:
وسألته: عن العبد يكون شريكا لسيده في الزرع، فلا يدفعان إلا خمسة أوسق، هل يكون فيه زكاة، أو يكون خليطا له في الغنم، لكل واحد منهما عشرون شاة، هل عليهما صدقة، قال ابن القاسم: قال مالك: ليس عليهما ولا على واحد منهما في ذلك قليل ولا كثير، لا في الزرع، ولا في الغنم؛ قال ابن القاسم وهذا مما لا شك فيه ولا كلام، واحذر من يقول غير هذا أو يرويه، فإن ذلك ضلال.
قال محمد بن رشد: من يقول إن العبد لا يملك، وأن مال العبد لسيده، يوجب الزكاة عليه في الزرع والغنم، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة؛ وفي المدنية- لابن كنانة نحوه، قال يخرج الزكاة من جميع ذلك، ثم يصنع هو مع عبده ما أحب.

.مسألة باع أرضا فيها زرع لم يطب فاشترط المشتري الزكاة على البائع:

ومن كتاب العرية:
قال ابن القاسم: في رجل باع أرضا وفيها زرع لم يطب، فاشترط المشتري الزكاة على البائع قبل أن يطيب الزرع، أو يكون قد طاب؛ قال: قال مالك: هو على المشتري ولا يجوز أن يشترط الزكاة على البائع قبل أن يطيب الزرع، فإذا طاب فهي على البائع، إلا أن يشترطها على المشتري.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، أما إذا اشترى الأرض وفيها الزرع لم يطب فاشترطه، فالبيع جائز، والزكاة عليه؛ فإن اشترط الزكاة على البائع، فسد البيع؛ لأنه اشترط عليه مجهولا لا يعلم قدره ولا مبلغه؛ وأما إذا طاب الزرع فاشترى الأرض بزرعها، فالزكاة على البائع، فإن اشترطها البائع على المشتري، فذلك أجوز للبيع، إذ قد قيل: إنه إذا باع جميع الزرع ولم يشترط جزء الزكاة- فسد البيع؛ لأنه باع ما ليس له- وهو مذهب الشافعي، وقد مضى ذلك في أول سماع ابن القاسم.